فيما يلي وصف و شرح حالتين من حالات
الهستيريا :
الأولى تغلب عليها
الأعراض العضوية التي تتمثل في تقلص حركي لاإرادي ، والثانية تمثل نموذجا للأعراض
العقلية ، وهي حالة طفلية هستيرية.
الحالة الأولى :
سيدة ، ربة منزل ،
عمرها ( 28 سنة ) ، متزوجة ، وليس لها أولاد ، تقيم في أحد الأحياء الشعبية
بالقاهرة ، تشكو من انتفاضة متكررة في ساقها " نترة – رعشة " ، وفواق "
زغطة " ، وصداع ، ودوخة ...
وبملاحظة
انفعالاتها ، لم نستطع أن نجد علاقة بين شكواها وما يبدو عليها من مشاعر ، فكانت
تقول : " .... صداع فظيع .... حيموتني .... رأسي حتفرقع .... مش قادر استحمل
... " ، وهي تبتسم في دعة وطمأنينة ، وقد ابتدأ المرض بعد موت والدها مباشرة
، وكانت تبلغ من العمر اثنى عشر عاما .... " كنت باحبه حب مش معقول ... بعد
وفاته حصلي إغماءات مستمرة ، أقعد ساعة وساعتين مش واعية لنفسي " . وكانت
ترغب في إكمال دراستها ، ولكن الظروف الاجتماعية والاقتصادية – بعد وفاه والدها –
حالتا دون ذلك ، ثم تزوجت من زوجها الحالي ، وهو سعودي الجنسية والإقامة ، وفي مثل
سن والدها ، تزوج قبلها ست مرات ، وكانت إحداهن لا تزال في عصمته ، رغم انفصاله
المؤقت عنها ... وقد كان الزواج بناء على رغبة المريضة شخصيا ، حيث رفضت كل الشبان
الذين تقدموا لها ، وفضلت زوجها هذا عليهم ، ثم عاودها المرض حين أرجع زوجها زوجته
الأولى إلى عشرته " ..... وحصلي شلل في رجلي الشمال ، ودخت ، وغبت عن وعيي ،
وقمت لقيت رجلي بتنتر ... ولسه بتنتر لحد دلوقت .... " . وقد حضرت المريضة
إلى وطنها مصر للعلاج ، واستمرت فيه مدة سنتين على نفقة زوجها ، وهي لا تريد
الرجوع إليه ، لأن عواطفها قد تغيرت تجاهه ...." .... أنا حاسة إني باكرهه
دلوقتي ، وعايزه أسيبه ... إنما مش قادرة .... " .
وبفحص المريضة
عضويا ، تبين أن جسمها سليم تماما ، وظهر من الأبحاث بما في ذلك رسم المخ
الكهربائي ، أن التركيب العضوي خال من أي مرض يفسر هذه الظواهر .
وقد تبين من الفحص
النفسي ، أنها تتصف بضحالة العواطف وتقلبها ، " أكون زعلانة وبابكي ، واحد
قال حاجة تضحك ... أضحك على طول والدموع لسه في عيني ... وأن الحركة التي تعاودها
مظهر خاص ، فهي تبدو كأنها ترفص أحد أمامها ، وكأن لها دلالة رمزية ، تشير إلى رفض
شيء أو شخص ما .... كذلك تبين أن شكواها لا تتفق مع حقيقة شعورها ، وكان حديثها
يتصف بالمبالغة والتهويل ...
فإذا درسنا تاريخ
نضجها العاطفي، وجدناها متعلقة بأبيها بدرجة غير عادية ، وزاد من تعلقها به موته ،
وهي تخطوا أولى خطوات المراهقة ، الأمر الذي يفسر زواجها من بديل له ، لا يلائم
سنها ولا طبيعتها ، وهكذا نشأ الصراع بين التعلق بالزواج كبديل للأب ، وبين رفضها
له من الناحية الموضوعية لكبر سنه ومعاشرته أخرى ... واختلاف طباعهما وتنافرها
.... " .
ونحب أن نشير هنا
إلى أن المكاسب التي حققها العرض ثبتته ، وجعلته متأصلا ، فقاوم العلاج مقاومة
عنيفة واستمر لمدة طويلة .... كما أن ظهور العرض أمكن المريضة من العودة إلى مصر ،
بين أهلها وذويها ، وهيأ لها حياة اقتصادية طيبة بما يرسله إليها زوجها من نفقات ،
كما حقق حاجتها إلى الرعاية والاهتمام ، وذلك بترددها على الأطباء ، وإثارة العطف
والشفقة من حولها .... إلخ .
وقد أتاح المرض
تأجيل البت في إنهاء العلاقة الزوجية بما يترتب عليه من هبوط المستوى المادي ،
واحتمال عدم الزواج ثانية ، والوحدة .... إلخ .
إذن فالمرض أبعدها
عن زوجها في ذات الوقت الذي ساعد على الاحتفاظ به ، وقد كانت المريضة تتحسن جزئيا
بالعلاج ، ولكن العرض كان يعاودها بمجرد تصور انقطاع العلاج أو الحديث عن الشفاء
التام والعودة إلى ممارسة واجباتها .
ففي الوقت الذي
ستشفى فيه سترجع إلى زوجها ، حيث يثار الصراع ثانية ... أو على الأقل ستنقطع
النفقات الجارية .... وهكذا تتمسك بالمكاسب التي حققها المرض ، فتقاوم الشفاء أيما
مقاومة .
الحالة الثانية :
آنسة ، طالبة ،
عمرها ( 19 سنة ) ، في السنة الثانية الثانوية النسوية ، لم تتزوج ، تقيم في
القاهرة ، جاءت تشكو من حالة غريبة تنتابها : " لساني بيتموج ، مابقدرش أعدله
، أتكلم زي العيال الصغيرين ، ساعات أبقى دارية بالحكاية دي ، وساعات أفتكرها
بعدين ، والحكاية دي بتقعد يوم أو يومين ، دايما صداع في دماغي بين النوبات دي ،
أذاكر أنسى المذاكرة ، بانسى كثير اليومين دول ، نفسي مسدودة عن الأكل " .
وصفت حالتها
والدتها بأنها : " بتبقى عاملة زي العيال بتاعة أربع سنين ، ودي حاجة تكسف
قدام الجيران ، وفي المدرسة وبتبقى فرجة ، أصلي أنا مش عايزة تطلع على البنت سمعة
، وحاكم أنا ما بعتقدشي في الأسياد ، لأني مثقفة وكنت مدرسة إبتدائي ، وهوه (
زوجها ) اللي قعدني في البيت .
وبدراسة الجو
الأسري ، ثبت أن عدم التوافق بين الزوج والزوجة شديد جدا ، وأن المريضة عجزت عن
وقف الشجار بينهما ، وبالتالي عن اكتساب بعض الاهتمام الحقيقي بها وبإخوتها بدلا
من " ..... النقار طول الليل والنهار .... " . فأخذت تنزوي في حجرتها ،
وتبكي ثم ظهرت الأعراض ، وتقول الزوجة عن حياتها الزوجية وعن زوجها " ....
ماشيين في خطين ، قصاد بعض ، مش حنتقابل أبدا ، هوه معندوش شخصية ، وعنده مركب نقص
، وأكبر مني في السن ، كان أعمال كتابية ، وأخذ شهادة خدمة اجتماعية من 6 سنين بس
.... مع إن عنده ( 52 سنة ) ، وفاهم ، أنه
عالم نفساني يقدر يعالج الناس كلها ... مع إنه هوه اللي عنده شك في الناس وفي
تصرفاتي ، وكان سبب ضياع مستقبلي ، لأنه خلاني أسيب شغلي ... أما الأب فكان رأيه
أن ثقافة زوجته وتدليل إخوتها لها في الصغر هما سبب المصائب ، وأنها مدعية وتظهر العناية بأولادها مع أنها السبب في مرض
ابنتها .
هذا وقد تطور
اكتئاب الزوجة – أثناء علاج ابنتها – حتى وصل إلى حد الأفكار الانتحارية ، بل
ومحاولة الانتحار فعلا ، الأمر الذي اضطرنا إلى قطع الحلقة المفرغة ببضعة جلسات
كهربائية ( للأم ) ، ثم استكمال العلاج النفسي والاجتماعي للأسرة .
وهكذا نرى كيف ظهرت
هذه الأعراض الهستيرية ، هروبا من جو أسري مريض ، وكوسيلة لجذب الانتباه ، والاحتجاج
، كما نلاحظ وجود صداع بين النوبات ، نتيجة لوجود صراع داخلي تحله الأعراض مؤقتا ،
لذلك يختفي الصداع ، مع ظهور الأعراض ، ويعود
مع اختفائها.
إرسال تعليق