للصحة النفسية علامات تنم عنها، ومؤشرات ترشد إليها، ودلالات تدل عليها، وتشير هذه العلامات إلى مظاهر سلوكية محددة يتوافر الكثير منها لدى الشخص الذي يتمتع بدرجة عالية من الصحة النفسية، وهذه المؤشرات هي مؤشرات توعية منها ما هو ذاتي لا يشعر بها إلا صاحبها ومنها ما هو خارجي ويدركه الآخرين.
أولا:التوافق الذاتي.. وهو نجاح الإنسان في التوافق بين دوافعه وحسن تكيفه مع نفسه، ورضاه عنها والتحكم فيها وحسم صراعاتها.
ثانيا:التوافق الاجتماعي... ويقصد به حسن التكيف مع الآخرين في المجالات الاجتماعية التي تقوم على العلاقات بين الأفراد، وأهمها الأسرة والمدرسة والجامعة والمهنة، ويتضمن نجاح الفرد على إقامة علاقات اجتماعية راضية ومرضية، أي يرضى هو عنها ويرضى الآخرين بها. ويسعد الطرفان لها وتتسم هذه العلاقات بالتعاون والحب والتسامح والإيثار والثقة والاحترام والتقبل.
ويجب أن لا نفهم من هذا المؤشر انه يتعين على الشخص أن يكون على وفاق ووئام مع جميع من حوله من البشر، ولكن المقصود أن يتوافق مع الجماعات التي ينتمي إليها كالأسرة مثلا أو التي اختار أن ينتمي إليها كالأصدقاء والرفاق والزملاء وليس المقصود كذلك أن يكون الفرد منسجما معهم في كل الظروف فبعض الخلافات أمر وارد، والعبرة بالعدد الكلي لمواقف الوفاق والوئام بالنسبة إلى مواقف الشقاق وعدم الوئام.
ثالثا:الشعور بالسعادة وراحة البال.. والأدلة على ذلك كثيرة كالشعور بالطمأنينة، والأمن، والرضا عن النفس، وتقبلها، واحترامها، والاستمتاع بالحياة وما بها من متع، مع الإقبال على الحياة ورضا الفرد عنها وما قسمه الله فيها.
رابعا:معرفة قدرات النفس وحدودها..فلكل منا قدرات و إمكانيات بدرجة معنية ومن الثابت أن لكل فرد جوانب قوة وجوانب ضعف. ومن بين مظاهر الصحة النفسية أن يدرك الفرد هذه الحقيقة ويستثمر جوانب قوته ويتقبل نواحي ضعفه"رحم الله امرئ عرف قدر نفسه" ويعيش شقيا من لم يعرف قدر نفسه، وعدم معرفة قدر النفس يكون على صورتين: الإفراط أو التفريط. أي مبالغة الفرد في تقدير ذاته وتضخيم امكاناته اكبر من قدرها، أو تحقير نفسه وبخس حقها والإقلال من قدرها وتشير هاتين الصورتين إلى اختلال الصحة النفسية.
خامسا: النجاح في العمل... إن نجاح الفرد في عمله ورضاه عنه من المظاهر السلوكية التي تبرهن على الصحة النفسية ومن أهم عوامل النجاح في العمل ورضا الفرد عن عمله وميله إليه وتناسبه مع قدراته وتوافر فرص الترقي فيه، ومن بين الجوانب التطبيقية لهذا علم النفس المهني وما فيه من التوجيه المهني والاختيار المهني، ويهدفان إلى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وليس أقسى على الإنسان من أن يمتهن مهنة لا يميل إليها ولا يرغب فيها.
سادسا: مواجهة الإحباط.. حيث لا تخلو الحياة اليومية من الأزمات والشدائد أو الصعوبات التي يتعين على الفرد مواجهتها والصمود في وجهها، ومحاولة حلها والتغلب عليها وكلما كانت درجة الإحباط مرتفعة أشار ذلك إلى قدرة مرتفعة لدى الفرد على تحمل الشدائد ومجابهتها.
سابعا: الإقبال على الحياة.... ويعني ذلك التحمس للحياة والرغبة الحقيقية في أن يعيشها الإنسان ويستمتع بما احل الله له من الطيبات، ويكون مستبشرا ومتفائلا ويتوقع الخير، والاستمتاع بالجمال والانفعال به والتـأثر به، وعكسها يكون الإحجام عن الحياة وتوقع الشر والتشاؤم. وتميز هذه الصفات الأخيرة مرضى الأكتئاب.
ثامنا: الاتزان والثبات........... يتسم الشخص بالاتزان الانفعالي والثبات الوجداني واستقرار الاتجاهات ونضج الانفعالات إلى حد بعيد ويعني وجود حالة من التماثل بين شدة الانفعال ومثيراته، فإن فرح الشخص أو حزن يكون ذلك متوازيا مع المسببات التي سببت له هذه الحالة الانفعالية، والتماثل بين نوع المنبه ونوع الانفعال الناتج عنه. فإذا تضايق شعر بالقلق والضيق والهم وان قابله شيء سار شعر بالفرح والنشوة. ويتضح عدم التناسب بين الانفعال ومثيراته في الشدة أو النوع في واحد من اضطرابات الصحة النفسية. إذ يقال للمريض خبر سار فيحزن أو يقال له خبر محزن فيفرح أو يرى الشيء البسيط عظيم أو يستجيب بنشوة شديدة لخبر يسر سرورا يسيرا أو يحزن بشدة لخبر محزن بسيط.
تاسعا: حسن الخلق... فترى الإنسان ذو الصحة النفسية على خلق عظيم في أكثر ما يعرض له من أقوال أو مواقف، لا يقترف الآثام، يبتعد عن الكبائر والصغائر ولا يقترب الفواحش.
إذا تحدث صدق وإذا وعد أوفى وإذا اؤتمن أدى متواضعا ولا يتكبر، يخالق الناس بخلق حسن وقد أكد الباحثون وبرهنوا على أهمية هذا الجانب لتحقيق الصحة النفسية فقالوا"إنها حالة يشعر فيها الإنسان بالرضا والارتياح عندما يكون حسن الخلق مع الله ومع نفسه مع الناس.
عاشرا: الخلو النسبي من الأعراض.. فكلما قلت مظاهر الاضطراب النفسي دل ذلك على مدى الاستقرار النفسي للشخص.
وهذه أهم علامات الصحة النفسية، حيث من الممكن أن تساعدنا في الاستدلال على درجة الصحة النفسية للفرد كما يمكن أن يستخدمها الفرد لتطوير شخصيته وتعميق شعوره بحالة الصحة النفسية لديه والوقاية من أمراضها.
د. مجدي حامد
أخصائي الطب النفسي